الخميس، ٢٥ أبريل ٢٠١٣

نوافـذٌ في شارع حبيبتي


 
(1)

عيناكِ شرفتان لأوقاتي

أطلُ منهما على روحي

تشرقُ منهما..

صباحات أغانينا القديمة

كشمسٍ تعزف موسيقاكِ

على قيثارة الغياب

و سؤال المسافة

 

(2)

حزني ذاكرة المكان

و جرحي مرآة تتكسر

حين يتجدد موعدنا

و أغرقُ في دخان تبغي

و في صمت قهوتي في المساء

 

(3)

عبثاً أحاولُ الوصول

الى جموح صوتي

الى صخبي !

عبثاً أحررُ الحروفَ

من أسر وحدتي

كأني نسيتُ لغتي

كأني نسيتُ كيف أبكي

فأنا في غيابك سيدتي

أفقد حتى موتي !!

 

(4)

أطلي من نافذة ليلي

وسادة لأمنياتي المنسية

و اسكبي ذكراكِ على أمسياتي

نوراً يحملني اليكِ  عند الفجر

لأعانق تلك الأهدب

و ألقي تحيتي اليكِ

قصيدة لا تكتمل ..

إلا اذا تزينت حروفها باسمكِ

 
 

(5)

كل المعاني رثة

و حبك جديدٌ ، جديد ...

الكلمات أزياءٌ خريفية بالية

و حبك فصولٌ من  فرح

مجنونٌ  حد الهذيان 

حنونٌ يأبى النسيان       

صوتكِ.. صوتكِ  

آه من هذا الشريان

أصغي الى دبيب قلبي بين ثناياه

يا لفرحي !

إنه يدق الآن !!

 

(6)

مسكون بملامحكِ حبيبتي

يتفتحُ شوقي اليكِ صباحاً

حقلاً من أزهار

يتوهجُ قلبي كشمس ربيعية

إذا صافحتني عيناكِ

كقبلة مجنونة على شفاه الانتظار  

و أقف على باب ليلي

أقرعُ طبولَ الصمتِ

أرتعدُ كطفلٍ خائفٍ

تلاحقه ذكريات حِصار

 

(7)

حين يتعبُ جسدي

من فرط السكون

و من لوثة الركض المسعور..

خلف فراشتي الحائرة

تتسللين الى روحي

مطراً من عنفوان

يغسلني من غربتي

يروي عطش أمسياتي 

لتزهرَ براعم اشتياقي من جديد !!

 
 

(8)

لأني أحبكِ سيدتي

أنزعُ عني رداء حزني الغجري

و أعلِـّقه على مشجب الوقت

لأتعرى أمام الذكريات

كطفلٍ في لحظة ولادة

بلا خدوشٍ لجراح روحي

بلا خوفي ..

كأني أتطهرُ في معبد قلبكِ

ناسكاً يبتهلُ بصلاته الأولى !!!

 

(9)

هذا المساء لكِ وحدكِ 

أهديتكِ كل ما فيه

و أرخيت ستائر الذكرى

ليلاً يحرسني ..

من لسعات أحزاني

أنا و إن أدركني عجز خطوتي اليكِ

يكفيني أني أراكِ..

ترسمين كل أحلامي !!!

 

(10)

لم يبقى على لسان اللغة

إلا .. أحبكِ

لم يبقى في ضجيج الصمت

إلا .. صوتكِ

ما عاد في رائحة النسيان

إلا .. عطركِ

العالم من حولي كذبة كبرى

و البشرُ ملامحٌ من ضجر

تتشابه كرمال الصحراء

و أنا لبحر وحدتي،

لم أعد إلا حارس

لا يملك شاطئاً.. أو حتى نوارس !!

 

 

(11)

في هذا الصباح

تسلقتْ خيوط الشمس الأولى

على رخام الكبت في جسدي

كيدٍ ناعمة، تنزع عني أشواك العتمة

شمسٌ تكبر بصمت

تفض بكارة ليلي، و تتوقف هناك

كأنها تتواطأ مع رعشتي الأخيرة

توقفتْ ساعة الحزن في زمني

نصفَ ساعة أو اكثر قليلاً !

 

أفاقتْ عيناي على بقايا الليل

كأس شرابي المنسيّ

كتابي المطويّ بنعاسي المسروق

أنظرُ لمرآتكِ، أحدثها عنكِ

عن ابتسامتكِ الصباحية

عن لذة الوقت ..

حين يمرُ بطيئاً،

متواطئاً مع رغبتي

كأني أرشوه ليثبت قليلاً

على توقيت أحلامي !!

 

(12)

عيناكِ، أوسمةٌ من نار

تذيبُ جليد أسري

أعلقها على ظلي

أعراساً لكل نهار!

عيناكِ، صديقتان لكبريائي

سيوفٌ تحرس بداياتي

و تحمي كل الأسرار!

 

عيناك، وطني و منفاي

مدنٌ للفراشات، كأنها ..

سنابل نبتتْ في حقل حصار!

عيناكِ يا سيدتي ..

قـُبلتان أبديتان على شفتي

تحاورني كل ليلٍ بلا حوار !!!


 

(13)

من بعيد ..

من دخان حرائق هذا النهار

من كواليس هذتْ بها أوقاتي 

من كل زوايا هذا الإعصار

لملمتُ ما تبقى من فرحي

لأهمس في رئتيك حبيبتي

إني أحبكِ دائماً!

لكني أحبكِ الآن أكثر !

 

من مواعيدٍ خبأتـُها لك في زوايا الانتظار

من شوارع تركنا على أرصفتها بقايانا

من ليل مجنون ما زال يذكر أغانينا              

أزور حديقة أوقاتكِ

أفترش عشب أماكننا

و أهمس في دفء قهوتنا

إني أحتاجكِ دائماً

لكني أحتاجكِ الآن أكثر!!

 

(14)

لأني أحبكِ بجنون

يعود قلبي المتعبُ للركض

في طرقات جسدي

و تهرعُ شراييني لتفتح ممراتها

لطوفانٍ يمتدُ في ليلي كالنور

يحرقُ نسياني ..

و أنين الصمت في روحي

 

و لأني أعرفُ أني مترعٌ بكِ

حتى آخر خلية من دمي

اتبارك بحبكِ ..

كطفلٍ عمده نبيذ شفتيكِ

بقبلاتٍ تحرسني..

كتعويذة الرهبان في المعابد

بماء يغسلني من خطاياي

بلمسات كوشم العشاق

تشعلُ فتيل عنفواني

 

و لأني أعرفُ أني أغرقٌ في بحركِ

أتوقُ لموجكِ العاتي

ليُغرقني أكثر.. أكثر

فأنا يا سيدتي، كأسماك كل البحار

تضِلُ طريقها إن ابتعدتْ

لم أتعلم بعدُ شروط العيش

في هذا اليباس الموحش

و لا أتقن فن النجاة

إلا إذا غـُصتُ في أعماقك أكثر !!!

 

 

 

(15)

أأقولُ أحبك ؟!

أتكفي الكلمات، أيكفي الشعرُ

ليختصر عشقي لكِ

آه لو أن للغة افقاً أوسع

لو أن للمفردات أجنحة

لتأخذني إلى شمس أنوثتكِ البعيدة

لأختصرَ العالم بدورتي حول كواكبك

 

أأقول أحبك ؟!

كيف أفسّرُ حزني

حين يخرجُ حضورك من شفتي

و يبتعدُ المعنى كغيمة مسافرة

كيف أترجمُ نقصي

حين أصغي لصمت أغانينا

كيف أقيسُ مساحة عجزي

حين تحاصرني المسافة اليكِ

 

سأقولـُك أنتِ !

بكل صمت اللغات

بأغنية لم نسمعها بعد

بقصيدة لم أكتبها بعد

بإحساس لم يختبره عشاق الأساطير

بما أعجزُ عن وصفه

و قد يكون الحبُ بعضاً من أوصافه !!

 

(16)

غريباً أمشي في شارعي الليلي

لا أحد يعرفني فيه

نور معتم لا يضيئ المكان

أناسٌ يملؤون الفراغ حولي

بضوضاء تخدشُ جلد المساء

بحديث يتبخرُ كماء

يتناثر غيوما ً في أفقي

كحاجزٍ معدني يمتد بلا نهاية

 

أخطو على أطراف أرصفة

تسألني عنك،

لم تعد تعرفني الآن !

أرصفة محمومة تشتكي ..

لزوجة هواء رخو لا يتحرك

كآبة تشبه غربتي

حزن غجري يلف عنقي  

كخنجر اتخذ شكل غيابك عني

 

أبحثُ عن رئتي لأتنفس

هذا الهواء ليس لي

صحراءٌ أحتضرُ في رملها

بصراخ حنجرتي المكتوم

ببكاء بلا دموع

بشريان دمي المقطوع

أمدي يدي لأتحسس الأشياء

فتهرب مني أصابعي

غريبة كأنها تعثرت بالنسيان

 

أبحثُ عنكِ في خطوتي الحائرة

في دهاليز صحوي و كوابيسي

ألاحقُ آثار مواعيدنا المسائية

تأخذني عيناكِ اليكِ

نيازكاً تشتعلُ في سمائي

فتنفجرين في ذاكرتي

و تغمرني شظاياك الناعمة

سنابل قمح تملأ جسدي

خصباً كوعد الشتاء القادم

إنه حضوركِ حبيبتي !!

 

(17)

من أجلك ..

أعودُ مرة أخرى

أعودُ صلباً كصخرة

كثيفاً كبدايات الربيع

بريئاً كذاكرة جنين

ممتلئاً بشهقة ولادتي بين يديكِ

بعنفوان موعدي القادم مع الحياة

 

من أجلكِ ..

صادقتُ هذا الليل

أحببتُ قلمي كما لم أحب

ألفتُ ضجري و سرير أرقي

ابتسمتُ لصداعي عند الفجر

أهو صداع منتصف الغياب

أهي روحي الغريبة توقظني

ترفضُ أن تنام ، لتبقى

ممعنة في حبكِ !

 

من أجلكِ ..

سأخرجُ من شرنقتي

من شباكِ عنكبوتي

من وجوه الأصدقاء الحائرين

من ملامحهم التي استحالت حقل ألغامٍ

كلهم تساقطوا..

كأوراق خريفية جافة

غادروني بكل خدر نسيانهم

و بعصافير رحيلهم الموسمية

 

من أجلك ..

أعلنتُ الغفران على الأيام

على قسوة جراحي، و أحزاني

و حدكِ .. وحدكِ كنتِ..

ملاذي الأخير

وحدكِ كنتِ سلامي

بعد حروب الانتظار

و وحدكِ ستبقين

نهر حنين يجري في شراييني

و وشماً أبدياً في ذاكرتي !!

 

(18)

ها أنا أطوي صفحة أخرى

من كتاب احتضاري اليومي

على مشنقة الانتظار

ها هي صفحة جديدة أبدؤها

بليل طويل .. طويل

بعقارب ساعة أصابها الملل

و بكلمة في أول سطورها ..

أحبكِ !

 

ها أنتِ قريبة مني

على مرمى دمعتين و قبلة

بعيدة عني ..

كأحلام مراهقتي الأولى

يكويني شموخ أنوثتكِ ..

الحاضرة أبداً في جسدي

و تحبسُ المسافة أنفاسي إليك

لأزرعَ يدي زنبقة بين نهديك 

وتذوبُ شفتانا في قبلة مجنونة

 

من تلال أرضك البعيدة

أطل على خيالاتي السجينة  

أقف متحرراً من حزني

أقرأ نبوءات الصبر في أدب العشاق

و أنشد تعاويذ اللقاء

أتخذ من عينيكِ بوصلتي

لأضبط اتجاهاتي نحوك

لتستعيد حواسي الخمسُ ..

وظيفتها التي تعطلت

منذ غابت عنها رائحة عطرك  !!

 

(19)

سأكتبُ لكِ عن وجعي هذا المساء

عن مرساتي التي ألقيها

في بحرٍ من رماد

عن أتون حرائقي

و رحلتي التي أعود منها

مكبلاً بالحنين

و رتابة عزف منفرد ..

على ناي الأنين

 

حين يتخلى اللون عني

لقتامة تحاكي جوف كهف

و ينحسر الهواء لأعمدة من دخان

أحملُ الحزن صليباً

أطوفُ به شوارع مدينتي الغريبة

أنزفُ هوسي بالبوح لكِ

عما ينتظرني في قبوي الكتيم

 

لماذا لا تبكي هذة المدينة حزني

ألم تدرك بعد أنكِ غادرتِها

لماذا تسخر مني

حين أتعثر بعتمة أضوائها

لماذا لا تشاركني صمتي و وحدتي

حين أتوه في أزقة حديثها

 

كل ما أريده أن أحيا قليلاً

قليلاً من الوقت أسرقه

لأعِدّ أمسية تليق بنهاية الفراق

قليلاً من الوقت ..

لأجمع قصائدي المبعثرة بفوضى ذاكرتي

قليلاً من الوقت يا حبيبتي

لأقدم شكري للحبر، للأوراق التي ..

علمتني أن حضوركِ ممكنٌ

حتى في صحراء نسياني !!! 

 

(20)

من ظلال بؤسي ألملمُ أشلائي

أتقمصُ ذاتي مرة أخرى

لأعود للحياة من جديد

بملامحك التي تزفني

الى معبد حريتي المهجور

هناك، حيث أهربُ من فخ أسئلتي

و أختلسُ من حنجرتي

نصف صوتي !

 

سأطفئ شموع سكوني

لترف روحي بجناحين من عنفوان 

كدوري يكسرُ قفص أسره

بلقائكِ حبيبتي

ستعودُ لي مسام جلدي

و تعودُ الى أوردتي التي تيبست

دورتي الدموية

 

عندما ألقي رأسي

على وسادة صدرك العاجي

ستنتزعين من جسدي

حربة افريقية مغروسة في جراحي

سيتبخر الفراق كدخان يتلاشى

في سماء همساتنا الصغيرة

لأطفو خفيفاً كريشة

على تخوم الشهوة

 

حين أغادرُ هذه الصحراء

سألقي بوعي المقيت

و بروحي التي تحنطت

في أقرب مصح عقلي

و أحمل جنوني اليك

باقة أزهار تبعثرت على راحتيك

مزماراً لا يعزف إلا صوتكِ

سأرقصُ بخفة مهرج

بحماقات طفلٍ فوضوي

في عيد ولادتي من جديد !!

 

(21)

الليلة ...

سألتهمُ آخر تفاحة في شجرة حزني

و أرمي آخر أقنعتي المحترقة  

لم أرتكب خطيئة نصري المزعوم

على دخاني و دموعي

سيمرُ هذا المساء سريعاً، متواطئاً

مع رغبتي في رتق ثقوب روحي

 

تومضُ عيناكِ من بعيد

فأرتعش بفرح مجهول

يدهشني قلمي ..

كيف يسيل حبره بكل هذا السخاء

لأسجل نهاية لخط بياني

لفوضى تضاريس أوقاتي

 

بعشقٍ ناري لا يهدأ

بشوق يتناسل كخلايا جسدي

أقتحم ليلي المالح كبحر ساكن

أفتح الأبواب للغتي

حتى تفيض عذوبة و ألقاً

لتزفكِ عروساً لحروفها

و ترسمك وساماً لأحلامي

 

آه.. حين أزدحم بلغة حبكِ

و أمتلئ بمفردات جسدك الشفاف

يستسلم قلمي لبياض أوراقه

ليكتبكِ طازجة كهذه اللحظة

مجنونة ...

كعاصفة في أعماقي !!

 
 
صيف 2010

 

ليست هناك تعليقات: