الأربعاء، ٢٤ أبريل ٢٠١٣

حوار في فضاء الدهشة


لم تكن تلك الأمسية التي امتدت حتى ساعات الصباح الأولى من أمسيات الوحدة المعتادة .. لم تكن إلا خطوة أخرى اخطوها في عالمها .. عالمي المحمي بصوتها القادم من بعيد .. انتهى الحوار و ذهب كل منا يسترجع في ذاكرته ما يشتاق لسماعة الآن .. تمددتُ على أريكتي لأن النوم ظل حبيساً في غرفتي .. تركته هناك ينادي بيأس لأني خذلته مرة أخرى .. خذلت السرير .. يبدو أني اعتدت أن أخذل هذا السرير كثيراً منذ عرفتها .

على تلك الأريكة رأيتها .. تجلسُ بخفة ملاك .. تنظر إلى الأفق في بقايا عتمة المكان .. جلستُ بقربها .. لم تُعرني في البداية أي اهتمام .. كأنها لم تشعر بوجودي ..كانت مشغولة بصنع حلم ربما .. بتشكيل لوحة في خيالها .. اقتربتُ أكثر .. تناولتُ يدها .. أمسكتها .. أحسستُ بنعومة الأنوثة تغمرني .. لثمتُ كفها .. لثمتها أكثر من مرة .. كانت يدها ترتعش بنشوة .. بلا إرادة .. مع كل قبلة أطبعها عليها .. نظرتُ في عينيها .. نظرتُ طويلا .. انتبهت هي لكثافة تلك النظرات .. كأن نظراتي أفاقتها من حلم كانت غارقة في تفاصيله .

قالت: ماذا بك ؟ لماذا تربكني بهذه النظرات ؟

قلت : أنظر لكِ لأن عيناي تأمرني .. كأنها تشتهي شيئا ما .. تبحث عن شئيا ما

قالت: و هل وجدته ؟

قلت: دعيها تبحث من جديد

قالت : من هي ؟ .. عيناك ؟  و عن ماذا تبحث ؟

قلت: عيناي .. ذاكرتي .. أحاسيسي .. هي لم تخبرني عما تبحث

قالت: ما زلت تصر على إرباكي

قلت : أنا من يشعر بهذا الإرباك الآن .. لأني لا أعرف عما أبحث

قالت : مربك ؟؟ لماذا ؟ تبدو نظراتك واثقة !!

قلت : كانت ..!

قالت: كانت؟ !! .. و الان ماذا حدث ؟ هل فقدت تلك الثقة ؟

قلت: لا اعرف .. لكني كلما نظرتُ الى عيناكِ أزداد رغبة في مواصلة البحث .. كلما حاصرتكِ بنظراتي أشعر أني في طريق طويل بلا نهاية .. أشعر أني في طريقي إلى الاستسلام او الانهزام

قالت: تقصد أن عيناي تصدُّ نظراتك .. فتزداد عنادناً على مواصلة النظر ؟ أم أنها تغريك بالمشي في هذا الطريق الطويل الذي وصفته قبل قليل ؟

قلت: اعترف لكِ اني هُزمت الآن يا سيدتي .. عيناك تصيبني بلذة خاصة .. أشعر في أثناءها اني مقيد .. أمشي بلا إرادة .. مقيد و لا أستطيع أن أتوقف لحظة عن متابعة المشي في هذه الطريق .. أشعر اني لا استطيع ان أتحرك إلا في هذا الاتجاه

قالت: أنت تبالغ كثيراً .. أو اني لم أفهم ما تريد قولة ..

قلت: و هل ستُدهشين اذا قلتُ لكِ اني أشارككِ  هذه الحالة من عدم الفهم ؟

قالت: ليس إحساساً بالدهشة بقدر ما هو إحساس بالغرابة .. غرابة الصورة التي تتحدث عنها

قلت: الغرابة .. كل الغرابة يا سيدتي أن لا تشعري أبدا بهذه الغرابة .

قالت: حديثك أقرب للألغاز او الطلامس .. هل تتعمد ادخالي في متاهة أفكارك ؟ .. تحدث بوضوح أكثر .. ثم لماذا ما زلت ممسكاً بيدي ؟

قلت: يدكِ يا سيدتي هي التي  تمسك بيدي الآن.. أنظري !!

قالت: ما هذا ؟ كيف حدث ذلك ؟ أنت من أمسك بيدي .. ألا تذكر ؟

قلت : نعم أذكر .. لكن كيف حث ذلك ؟؟  كيف انقلبت الصورة بهذا الشكل

قالت: يبدو اني بدأتُ أدخلُ لعالمك المليء بالألغاز و الغرابة بالعفل !!

قلت: اذن تعالي.. فقد أصبحنا في حضرة هذه الألغاز و الأسئلة التي تحمل صفة الا جواب في محاولة الاجابة عليها .. هناك فرصة أخيرة لننجو من هذه الأسئلة .

أمسكتُ يدها الأخرى .. و فتحنا باب الغرفة .. كانت الشمس ما تزال في بوادر صحوها .. ترسل الأشعة الصفراء بخجل .. خرجنا بلا هدف محدد .. لكني بقيتُ ممسكاً بيدها .. أما تلك اليد التي أمسكتها هي بيدها .. فقد التصقت بيدي بحنان .. برغبة عارمة في عدم الافلات .. كأن تلك اليدان – يدي و يدها- قد تداخلت مساماتهما بحث أصبح من الصعب التمييز بينهما .

وقفنا على الباب لبرهة من الوقت .. التقت نظراتنا من جديد .. تعانقت العيون و سافرنا في حلم مشترك قصير .. أفاقنا منة صوت عصفور قريب .

قلت لها : الآن عرفتُ لماذا ازدادُ ارباكاً كلما نظرتُ الى عيناكِ

قالت: مُدهش أنت !! .. كيف وصلت لمعرفة أسباب ذلك بهذه السرعة ؟؟ أم انها مزيد من الألغاز ؟

قلت: الآن فقط عرفتُ أسباب ذلك .. أنتِ منحتني هذا الجواب الذي كنت أبحث عنة

قالت: أنت لصٌ اذن !

قلت: لماذا أكون لصاً إذا سرقتُ جواباً من عينيكِ ؟؟ معنى ذلك أنك كنتِ تعرفين أسباب إرباكنا و دهشتنا ..كأنها متشابهة الى حد كبير

قالت: طبعا .. لأني أزداد ارباكاً و دهشة أيضا كلما تلقيتُ المزيد من نظراتك

قلت : هل يمكننا الكشف أو  حتى الحديث عن هذه الأسباب..مواجهتها .. أو الافصاح عنها على الاقل ؟

قالت : بالطبع لا !!!

 صيف 2008

ليست هناك تعليقات: